سيرة القديس الانبا هدرا السائح أسقف أسوان
سيرة القديس الانبا هدرا السائح أسقف أسوان
اعداد
ا د نادى كمال عزيز جرجس
نائب رئيس جامعة أسوان الاسبق لخدمة المجتمع وتنمية البيئة
تعتز محافظة أسوان بوابة مصر الجنوبية بشفيعها وقديسها الأنبا هدرا، وبالدير الأثري الذي يحمل اسمه الذي يرجع إلى القرن الخامس الميلادي.
وسبق فى مقالة سابقة التكلم عن ذلك الدير الاثرى.
وحديثا رسم اول أسقف لمحافظة أسوان ورئيسًا لدير الانبا باخوميوس بحاجر ادفو وايضا رئيسا لدير الانبا هدرا بغرب اسوان؛ باسم الانبا هدرا ثم أصبح مطرانا للابروشية، وذلك تشفعنا بالانبا هدرا السائح الاسوانى شفيع أسوان، والذى نحتفل بعيد نياحته فى 12 كيهك من كل عام والموافق هذا العام يوم 22 ديسمبر 2023.
وكل عام وانتم بالف خير وصحة وسلامة يارب.
سيرة القديس الانبا هدرا السائح أسقف أسوان
نشأة الانبا هدرا السائح الاسوانى:
وُلد من أبوين مسيحيين فربّياه وعلّماه مخافة الرب منذ صغره. ولما بلغ الثمانية عشر من عمره أحب والداه أن يزوجاه من إحدى قريباته. فلما جاء الوقت امتنع بحجة المرض.
لقد رفض الزواج ليس هربًا من المسئوليات الأسرية، ولا بكونه أمرًا دنسًا أو غير لائقٍ، وإنما لأنه عشق تكريس كل كيانه ووقته للعمل الروحي. وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص عن البتولية: “إننا نقولها الآن بوضوح أن البتولية هي رفيقة الإنسان في عمله الروحي ومساعدة له في الوصول إلى الهدف السامي للحياة. إنها قوة، حتى أنهم يتشبهون بالطبائع الروحية”.
في إحدى الليالي رأى شخصًا منيرًا يقول له: “يا هدرا يا هدرا، لا تبطئ عن النهوض إلى ما اهتممت به من الفكر الصالح، بل قم مسرعًا وتممه”. فقام مسرعًا ومضى إلى الكنيسة مصليًا كعادته، سائلًا اللَّه أن يعينه وأن يرشده إلى ما فيه خلاص نفسه، وكان يردد المزمور القائل: “طوبى للذين بلا عيب في الطريق، السالكون في ناموس الرب” (مز1:118). ذهب إلى الكنيسة مبكرًا، وصلى مع الجماعة، وطلب من السيد المسيح أن يسمعه من أقوال الكتب المقدسة ما يتفق وما في قلبه، فسمع ما ارتاح إليه.
رهبنته:
لما خرج من الكنيسة رأى رجلًا ميتًا محمولًا ذاهبين به إلى الدير، فسار مع المشيعين وكان يحدث نفسه قائلًا: “اسمع يا هدرا، ليس هذا الذي قد مات ولكنك أنت الذي قد متّ عن هذا العالم الزائل”. ولما وصلوا الدير ودفنوا الميت لم يعد إلى بيته بل دخل الدير وأقام مع الرهبان. ولما سمع أقاربه وأصدقاؤه أتوا إليه وقالوا له: “إنك بعملك هذا تجلب علينا الحزن كما تؤلم قلب خطيبتك وأنت تستطيع أن تعبد اللَّه في أي مكان شئت”. وإذ لم يفلحوا في إرجاعه عن رأيه عادوا والحزن يملأ قلوبهم على فراقه.
أما هو فقد سكب نفسه في عبادةٍ حارةٍ ونسكٍ عظيمٍ وصومٍ دائمٍ وصلواتٍ متواترةٍ ومطانيات metanoia عديدة. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). وكان في أيام القديس بيمين، فتتلمذ له، وكان يسترشد بتعاليمه وقدوته الصالحة.
لاحظ المتوحدون جهاد القديس الأنبا هدرا فقالوا له: “يا أخانا الحبيب جيد هو كل شيء يُصنع بمقياس”. أما هو فأجابهم: “إن كل ما أفعله لا يقوم مقام خطية واحدة من خطاياي”. فإذ سمع الإخوة هذا الكلام اتعظوا ومضوا، وصاروا يخبروا الآخرين بما قاله لهم. وكان المتوحّدون يلتقون به ويقتدون بأفعاله، ويطلبون مشورته، كما كانوا يتعجبون من تواضعه وانسحاق نفسه.
في البرية الداخلية:
جاءت الجموع تتقاطر عليه من كل البلدان تطلب كلمة منفعة وتتمتع بتعزيات الروح. لكنه إذ كثرت الزيارات جدًا استشار أباه الروحي أنبا بيمن وطلب أن ينفرد في البرية. ترك مغارته بعد ذلك بثماني سنين ودخل في البرية الداخلية، وكأن يسأل اللَّه أن يختار له موضعًا لسكناه.
بعد ثلاثة أيام جاءت بعض وحوش البرية لتفترسه، أما هو فوقف يصلي طالبا من اللَّه أن يصنع معه رحمة، ويُبعد عنه الخوف من الوحوش الكاسرة كما أخضع الأسود لدانيال. للحال صارت الوحوش تستأنس به.
حرب دائمة مع الشيطان:
طلب من القديس بيمن أن يطَّلِع على سيرة القديس العظيم أنبا أنطونيوس أب الرهبان ليتعلم منها قتال العدو الشرير. ومكث هناك أيامًا كثيرة يجاهد ضد إبليس وجنوده، وكان الشيطان يجربه كثيرًا. من ذلك أنه ظهر له وبيده سيف مسلول يريد قطع يديه، فصرخ القديس إلى الرب، فغاب عنه الشيطان في الحال.
جاء في المخطوط الخاص بسيرته: “استمر يصنع صلوات كثيرة ونسكيات، فإذا عدو الخير الذي هو الشيطان صار يفزعه بأشكالٍ مخيفةٍ ومناظرٍ مفزعةٍ، ويظهر له في شكل نساء جميلات الصورة لكي يوقعه في شباك الخطية المهلكة. لكن القديس أنبا هدرا كان يقوى عليه ويقهره بقوة الصليب المقدس فينفضح ويضمحل”.
وفي أحد الأيام خرج من مغارته، ولما عاد وجد تنّينًا عظيمًا داخلها، فصلى إلى الرب قائلًا: “يا ربى وسيدي، إن كانت هذه إرادتك أن أسكن مع هذا الوحش فلتكن”، ثم تطلع إلى التنين فوجده مقطعًا إلى ثلاثة أجزاء.
حدث أن سقط القديس أنبا هدرا وانطرح على الأرض بسبب نسكه الزائد، فظهر له شخص نوراني وسكب على رأسه دهنًا. للحال تقوى وشعر أن قوة إلهية قد أدركته. لكن عدو الخير لم يتركه بل كان يظهر له في أشكال مخيفة. أما هو فكان يرشمهم بعلامة الصليب فيهربوا من أمام وجهه.
كان في حرب دائمة مع الشيطان، لا ينام الليل ولا يستقر بالنهار، وكان الرب يخلصه منها. وأخيرًا حبس نفسه في قلايته، وكانوا يأتون إليه بالمرضى والمصابين بالأرواح النجسة، فيصلى على زيت ويدهنهم به فيبرأون في الحال، وكانت الأرواح النجسة تصرخ قاتلة: “ويلاه منك يا هدرا أحرقتنا بصلواتك وطردتنا من البراري”.
معرفته للكتاب المقدس:
أتى إليه رهبان من الشام وسألوه عن مسائل غامضة في الكتب المقدسة، ففسّر لهم معانيها، فأعجبوا بعلمه قائلين: “لقد طفنا جبالًا وأديرة كثيرة، وزرنا معلمين وفلاسفة فلم نجد من يفسر لنا هذه المسائل كما فسّرها لنا هذا القديس”.
سيامته أسقفًا لاسوان:
إذ تقدم به السن ترك موضع الوحدة في البرية الداخلية وذهب إلى أحد الأديرة حيث حبس نفسه في قلاية بها.
وقد وهبه اللَّه صنع العجائب. وفي ليلةٍ رأى في حلمٍ إنسانًا لابسًا شكل الأسقفية، جالسًا على كرسي، خاطبه قائلًا: “تمسك بالإيمان الذي قبلته من الآباء القديسين”. ثم قام عن كرسيه وأشار بيده نحوه، قائلًا له: “قد وهبتك هذا الكرسي…” ثم اختفي عنه.
سجّل الأنبا هدرا هذه الرؤيا ولم يخبر بها أحدًا إلى لحظة دعوته للأسقفية.
لما تنيّح أسقف مدينة أسوان ذهب بعض من شعبها إلى الدير، وهناك اجتمعوا بالرهبان الذين حضروا من الشام، وهؤلاء قد أثنوا لهم على القديس هدرا. فذهبوا إليه وأخذوه رغمًا عنه وسافروا إلى الإسكندرية، ورسمه لهم الأنبا ثاؤفيلس بابا الإسكندرية أسقفًا عليهم.
سيرة القديس الانبا هدرا السائح أسقف أسوان
ما أن جلس على كرسيه حتى عكف على وعظ شعبه وتعليمه طريق الحياة. فقد اهتم بالجانب التعليمي وتثبيت شعبه على الإيمان المستقيم. وكان يصلي على المرضى، ووهبه اللَّه موهبة شفاء المرضى وصنع آيات كثيرة، كما كان يهتم بالفقراء والمساكين والغرباء، ويفتقد المحبوسين. وأكمل حياتهٍ بسيرةٍ حسنة، ثم تنيّح بسلام.
نطلب شفاعة الانبا هدرا السائح الاسوانى والمتنيح الانبا هدرا اول مطران لاسوان فى القرن العشرين لنا ولكم وللجميع ولمصرنا الحبيبة.
تحيا مصر رئيسا وقيادة وشعبا وشرطة وجيشا والجميع والمصريين الشرفاء والله ولى التوفيق والنجاح الدائم.