الثقافة القبطية فى احتفالتنا وحياتنا المصرية اليومية

الثقافة القبطية فى احتفالتنا وحياتنا المصرية اليومية

اعداد
ا د نادى كمال عزيز جرجس
نائب رئيس جامعة أسوان الاسبق لخدمة المجتمع وتنمية البيئة

وكلمة «قبط» تدل على «شعب مصر» من دون النظر للانتماء الديني. ونجد فى الأثر أن العرب اشتقوا منها قبل الإسلام كلمة قَباطي إشارة إلى نسيج فاخر كان يصنع في مصر، تكسى به الكعبة في مكة قبل الإسلام.

اللغة القبطية:

وبالعودة للتاريخ نجد أن السلطة فى بداية المسيحية بمصر كانت في أيدى أصحاب الديانة المسيحية،

فأصبحت كلمة قبط تعبر عن أصحاب الديانة المسيحية، وتٌشير إليهم فى الخطاب الرسمى للدولة.

وفى سنة 284م تغيرت اللغة الرسمية فى مصر إلى اللغة القبطية، وأصبحت الديانة الرسمية هى المسيحية مما كان له أكبر الأثر على الحياة الفكرية والثقافية والحضارية والفنية حيث أصبحت مصر موطنًا لحضارة من نوع جديد.

لذا تجمع مصر القبطية بحكم التاريخ كل المصريين إلى الآن،

والثقافة الشعبية القبطية هى ثقافة شعبية مصرية ولا تعنى بحال ثقافة دينية ولا مسيحية،

لأنها جزء مهم من تاريخ المصريين وحياتهم اليومية، فكل منا يحمل فى تكوينه حضارات متراكمة من عصور مصر القديمة والعصرين القبطى والإسلامي، وأثرت فى تفكيرنا ووعينا وعاداتنا، ويتضح هذا فى كثير من مناحى الحياة، فقد ظل المصريون يستخدمون لغتهم القبطية لعدة قرون بعد دخول العرب، واللغة القبطية آخر مرحلة في تطور اللغة المصرية القديمة التى كان المصريون يكتبون ويقرأون بها خلال 5000 سنة، وما زالت تٌستخدم فى طقوس الكنيسة القبطية المصرية، والكنيسة القبطية مبنية على تعاليم القديس مارمرقس، الذي بشَّر بالمسيحية في مصر، خلال فترة حكم الحاكم الروماني «» في القرن الأول وانتشرت المسيحية في كل أنحاء مصر خلال نصف قرن من وصول مارمرقس إلى الإسكندرية.

ويرجع الفضل فى المحافظة علي اللغه القبطية حتى الآن للكنيسة القبطية إذ تُتلى بها بعض القراءات والصلوات.

اللغة القبطية فى حياة المصريين اليومية:

وكثير من كلمات اللغة القبطية يستخدمها المسيحيين والمسلمين وما زالت تجرى على ألسنتنا دون أن ندرى أنها قبطية، مثل: «كانى وماني» أي «سمن وعسل»، وكان السمن والعسل أفضل هدية يقدمها الفلاح الفقير للكاهن، وايضا كلمات مثل «نهنه ونقش وننى العين وحوسة ووحوى يا وحوى وأوطه وطماطم ووخم وبهارات وبرجلات وبتاو وبلاش وبس وبرطم ورعرع ورنه ورغى وسك أي أغلق، وكذلك «ليلي يا عيني» أي «إفرحي يا عيني» دلالة علي شدة الفرح والطرب، وصهد بمعني النار الشديدة، ومن الطرائف أن كلمة «حالُّو» قبطية ومعناها «شيخ»،

ومنها جاءت الأغنية الشعبية الرمضانية «حالو يا حالو رمضان كريم يا حالو»، والأطفال يستجدون بها العيدية من الشيخ.

الثقافة القبطية فى احتفالتنا وحياتنا المصرية اليومية

ومن أسماء المحافظات نلاحظ أن المدن والمحافاظات مازالت تحتفظ بأسمائها القبطية:

فنجد مدينة «أبو قير» نسبة الي الشهيد «أباكير» شقيق الشهيد «يوحنا» اللذين يُعرفا في التاريخ باسم «الشهيدين أباكير ويوحنا» وكانت لهما كنيسة ضخمة في تلك المدينة، وسُميت أبو قير تخليدا لاسم الشهيد. ومدينة «أبنوب» بمحافظة أسيوط ومعناها «الذهب»، و«الفيوم» تعني «البحر» في القبطية، و«المطرية» أصلها «با تي ري» ومعناها «بيت رع» أو «مدينة الشمس»، وكانت مركزا ضخما لعبادة الإله «رع»، ومدينة «باجور» تعني «ذات القوة»، و«دمنهور» مدينة الإله حورس، و«بلبيس» مدينة الإله بس، و«شبرا» معناها «عزبة»، ومنها «شبرا خيت» العزبة الشمالية، و«شبرا منت» العزبة الغربية، و«قنا» معناها «الحضن» لأن النيل يحضن الأرض هناك، و«ملوي» هي «مخزن الأشياء»، و«نقادة» أصلها «ني كاتي» بالقبطية معناها بلد «الفهماء» أو «أهل الفهم»، وكلمة «مِيت» (بكسر الميم تعني طريق مثل ميت غمر، وميت رهينة.. إلخ.

التقويم القبطى والفلاح المصرى:

والفلاح المصرى ما زال إلى الآن يستخدم «التقويم القبطي» فى الزراعة والحصاد، والدورة الزراعية،

وأوقات البرد والحر والرياح، ويعتمد في تقويمه الشهور القبطية مثل «توتو بابه وهاتور وكيهك وطوب، وأمشير..وغيرها».

الثقافة القبطية فى احتفالتنا وحياتنا المصرية اليومية

وكثيرة هي الأمثال الشعبية المرتبطة بهذه الشهور مثل:

«بابه ادخل واقفل البوابة»، و«كياك صباحك مساك»، و«طوبة تخلِّى الصبية كركوبة»،

و«برمهات روح الغيط وهات»، و«أمشير أبو الزعابيب كتير».

وهذا يوضح أن الثقافة الشعبية المصرية قبطية في جزء كبير منها، ومخطئ من يظنها ثقافة دينية أو مسيحية،

لأنهاجزء صميم من تاريخنا وحياتنا اليومية. والحديث عن الثقافة الشعبية القبطية هنا لا يقصد به الشعائر والطقوس الدينية، بل نتحدث عن الاحتفال الشعبى والأعراف، والعادات الشعبية التى تصاحب هذة الطقوس، والشعائر حيث يتدخل الطابع المصرى فى طريقة التعبير، لذا نرى أنشطة شعبية مصاحبة عادة للاحتفال الدينى الرسمى لا يختلف فيها المسيحيون عن المسلمين، ففى الموالد القبطية تقام الاحتفالات بذكرى قديس معين، نفس القديس الذي تمجده الكنيسة،

لكن في الاحتفال نجده فى موكب أيقونة القديس، الذى يتزاحم فيه الألوف لنيل البركة من الأيقونة،

وتٌقدم النذور والأضاحى، وتتواجد وتنتعش الأنشطة التجارية والترفيهية، ويبيت الزوار حول الدير.
وكل هذة المظاهر الاحتفالية هى بالظبط نفس المظاهر الاحتفالية فى موالد أولياء الله عند المسلمين

فالاحتفال بمولد القديس لا يختلف عن الاحتفال بمولد الولى، فكلها تتخلله التراتيل والمدائح والإنشاد الدينى.

خلاصة القول:

حياة المصريين واحتفالتهم واعيادهم يختلط فيها التأثير بالحضارات المصرية القديمة والمسيحية والإسلامية وغيرها.

تحيا مصر والمصريين الشرفاء.
والله ولى التوفيق والنجا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى