الأنبا إرميا يكتب : «أسبوع الآلام… المُقدّس العظيم»

الأنبا إرميا يكتب : «أسبوع الآلام… المُقدّس العظيم»

يعيش مَسيحيو الشرق هذه الأيام «أسبوع الآلام»، الذى يبدأ عقب الاحتفال بـ«عيد الشعانين» (أحد السعف)، بعد رحلة من الصوم سبعة أسابيع.

وأسبوع الآلام هو أقدس أيام العام وأهمها وأكثرها روحانية وعبادة، محورها التأمل فى آلام السيد المسيح،

فنجد الكنيسة وقد اتشحت أعمدتها وبعض جدرانها بالسواد، وتبدلت الألحان السنوية المعتادة

أغلب أيام السنة إلى ألحان تمتلئ بالشجن والحزن والمهابة لتناسب جلال أحداث هذا الأسبوع العظيم.

وتزداد فى أسبوع الآلام الأصوام نسكًا وزهدًا وتقشفًا إلى جانب الصلوات والقراءات والصدقات.

وقديمًا كان أسبوع الآلام يكرَّس للعبادة فيتفرغ فيه الناس من كل أعمالهم، ليجتمعوا فى الكنائس من أجل الصلاة والقراءات فى الأسفار المقدسة.

وذُكر أن الأباطرة والملوك المَسيحيين كانوا يمنحون رعيتهم عطلة فى أسبوع الآلام للتفرغ للعبادة.

فقيل عن الإمبراطور «ثيؤدُسيوس الكبير» أنه كان يسمح للأسرى والمساجين بالخروج من أجل مشاركة باقى المؤمنين الصلوات، آمِلاً أن يكون ذلك الأسبوع فرصة لتقوية توبتهم وإصلاحهم وتهذيبهم.

وقد أُطلق على «أسبوع الآلام» عدة أسماء، منها: «الأسبوع العظيم»، «أسبوع الفصح»، «أسبوع البصخة»،

ويسمى فى الكنيسة اليونانية «الأسبوع المقدس العظيم»، وفى الكنيسة اللاتينية «الأسبوع العظيم» أو «الأسبوع المقدس».

عُرف الاحتفال بأسبوع الآلام أولاً فى «كنيسة أورُشليم» التى شهِدت أحداثه، ثم انتقل الاحتفال إلى سائر أنحاء المسكونة. ويُذكر أن احتفال «أورُشليم» كان يبدأ فى عشية (ليلة) «أحد الشعانين» فى كنيسة «بيت عنيا» حيث أقام السيد المسيح «لعازر» بعد موته بأربعة أيام.

وفى «أحد السعف»، يذهب المَسيحيون إلى «جبل الزيتون»، ثم يتحركون منه وهم حاملون السعف وأغصان الزيتون.

وفى يوم الثلاثاء، يتوجهون مرة ثانية إلى «جبل الزيتون» حيث تُقرأ نبوءة السيد المسيح عن خراب مدينة «أورُشليم». وفى يوم الأربعاء تُقرأ قصة خيانة «يهوذا الإسخريوطىّ».

ومع حلول يوم الخميس الكبير، كان مَسيحيو «أورُشليم» يقضون الليل حتى صباح يوم الجمعة على «جبل الزيتون»، وفى بستان «جَثْسَيْمانى» حيث كان السيد المسيح يصلى فيه مع تلاميذه ليلة آلامه.

وفى يوم الجمعة العظيم، يجتمعون لقراءة نبوات العهد القديم وأحداث الآلام والصلب.

أما يوم السبت فكان يصوم فيه المَسيحيون، ثم يقضون الليل حتى فجر الأحد فى الصلوات.

عُرف صوم أسبوع الآلام فى «مِصر» فى القرن الثالث الميلادى سنة ٣٢٩م، واستقر سريعًا فى كنيسة الإسكندرية. ولكن اختلفت بداية أسبوع الآلام؛ ففى القرون الأولى كان صومه يبدأ يوم الإثنين، منفصلًا عن الصوم الأربعينى المقدس.

ثم ضُم الصومان معًا فى صوم واحد. وبعد ذلك بعدة قرون، نجد إشارات ودلائل عن بدء «أسبوع الآلام» مع يوم السبت السابق لـ«أحد الشعانين»، ثم عاد التقليد القبطىّ لبَدء أسبوع الآلام من الاثنين. وفى أسبوع الآلام، نتتبع خطى السيد المسيح:

ففى يوم السبت أقام السيد المسيح «لعازر» من الموت بعد أن أنتن؛ وقد أثارت تلك المعجزة قادة اليهود فتشاورا على قتل السيد المسيح.

وفى «أحد الشعانين»، دخل السيد المسيح إلى «أورُشليم» فى موكب عظيم واستقبلته الجموع بسعف النخل وأغصان الزيتون وهتاف عظيم، وفيه أيضًا بكى السيد المسيح على «أورُشليم» التى لم تفهم رسالة الخلاص.

وفى يوم الإثنين، لعن السيد المسيح شجرة التين التى كانت تحمل أوراقًا لكن بلا ثمار فكانت رمزًا للرياء، ثم طهَّر الهيكل من الباعة بعد أن صيَّروا بيت العبادة والصلاة مكانًا للتجارة.

قضى السيد المسيح يوم الثلاثاء فى التعليم بالهيكل، وحدث عدد من الصدامات بينه وبين الكتبة والفَرِّيسيين الذين كانوا يريدون اصطياده بكلمة.

ويوم الأربعاء خان «يهوذا الإسخريوطىّ» معلِّمه حين دبر أمر تسليمه لرؤساء اليهود مقابل ثلاثين من الفِضة.

وفى يوم خميس العهد، أُعد الاحتفال بالفصح، ثم العشاء الأخير، وأسس السيد المسيح «سر التناول». بعد ذلك انطلق السيد المسيح مع تلاميذه إلى بستان «جَثْسَيْمانى» حيث قُبض عليه هناك، ثم بدأت محاكمات السيد المسيح التى امتدت إلى يوم الجمعة العظيم.

مثَل «السيد المسيح» أمام ثلاث محاكمات دينية أقامها رؤساء الكهنة، ثم أُسلم للحاكم الرومانىّ فحوكم ثلاث محاكمات مدنية جاءت نتيجتها أن لا علة فيه تستحق الموت. فى ذلك الوقت تحرك ضمير «يهوذا الإسخريوطىّ» وندم على فعلته فأعاد الفِضة، لٰكنه سقط فى هُوة اليأس فمضى وشنق نفسه.

وفى الساعة التاسعة صباحًا، حُكم على السيد المسيح بالصلب إرضاءً لليهود الذين نادَوا وصرخوا: «اُصلُبه! اُصلُبه!»، «دمه علينا وعلى أولادنا»، ومن ثَم اقتيد إلى «الجُلجُثة» حيث صُلب.

وفى الساعة الثالثة عصرًا سلَّم السيد المسيح الروح. ومع نهاية يوم الجمعة، أُنزل جسد السيد المسيح ليكفن سريعًا، ووُضع فى قبر جديد لم يوضع فيه أحد، ودُحرج حجر كبير عليه وسدّ بابه، وخُتم ووُضع عليه حراس لأن رؤساء الكهنة تذكروا أن السيد المسيح صرح أنه فى اليوم الثالث سيقوم، و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.

الأنبا إرميا

الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى