سوق البالة في أكبر منطقة في مصر لتجارة الملابس يحتضر
سوق البالة في أكبر منطقة في مصر لتجارة الملابس يحتضر
بين كرّ وفرّ، يحيا بائعو الملابس الجاهزة و”البالة” في مصر وسط ملاحقات أمنية على مدار الساعة،
في أكبر منطقة لتجارة الملابس المستعملة في شوارع وكالة البلح بحي بولاق الواقع في قلب القاهرة وبالقرب من مناطق حيوية.
بدأت الملاحقات الأمنية، الأسبوع الماضي، بإزالة البائعة الجائلين الذين خرجوا من شوارع الوكالة الشهيرة
لافتراش الشوارع الرئيسية، بداية من دار القضاء العالي ونقابة المحامين بمنطقة الإسعاف،
وعلى امتداد شارع 26 يوليو الواصل بين غرب القاهرة وجزيرة الزمالك، وساحل بولاق والسلطان أبو العلا على نهر النيل.
امتدت الإجراءات الأمنية إلى إزالة “بسطات” الباعة التي يخرجها أصحاب المحلات من داخل مقراتهم وافتراش الشوارع،
والتي تجذب عادة الطبقة الوسطى والفقراء الباحثين عن ملابس رخيصة، المستوردة بنظام “البالة”
من مخلفات المتاجر الأوروبية والخليج، وبواقي المصانع والمحلات المصرية الراكدة من مواسم سابقة.
تحولت المنطقة التجارية، المزدحمة على مدار الساعة، إلى ساحات خالية من المشترين
الذين يخشون وقوعهم فريسة الاشتباكات التي تجري بين حين وآخر بين قوات الشرطة والبائعين
، الذين يرغبون في تحدي السلطة، واستمرار العمل على جوانب الشوارع.
كر وفر بين الشرطة والبائعين
أزالت قوات الشرطة “السويقات” التي أنشأتها من قبل بالمسار المتجه إلى مبني جريدتي الأهرام والأخبار وشركة كهرباء القاهرة، لبيع منتجات شعبية وأخرى قديمة بأسعار زهيدة للأسر الفقيرة تحت شعار “تحيا مصر”، ورفعت كافة “أكشاك” توزيع السلع الغذائية التي تدفع بها إلى الأسواق، ضمن برامج “كلنا واحد” المدعومة من وزارة الداخلية، بهدف تقديم اللحوم والأغذية بأسعار تكافلية للمواطنين.
جرّدت قوات الأمن الباعة من قدرتهم على افتراش الشوارع والطرق المؤدية إلى وكالة البلح، بعد أن منعتهم تماماً من الوجود في الجانب المخصص لعمارات “ماسبيرو” التي تستعد لاستقبال رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي وافتتاح العقارات الحديثة، التي تقام بتمويل من شركات خليجية.
تدفع الملاحقات الأمنية الباعة غير المستقرين إلى حمل بضائعهم على أكتافهم للعرض على المارة النادر وجودهم بمنطقة السوق، ليصطدم الطرفان بحالة استنفار أمني تدفعهم للهرب خوفاً من الملاحقة الأمنية. يعتقد مينا لبيب أحد أصحاب المحلات الصغيرة بالسوق أن الحملة الأمنية تستهدف بدء مشروع حكومي موسع، يحمل عنوان “التطوير الحضاري لمنطقة بولاق أبو العلا ووكالة البلح”، على غرار ما قامت به الحكومة في مشروع ماسبيرو، حيث هدمت منطقة على مساحة واسعة، لبناء فنادق وعمارات سكنية فاخرة.
يقول لبيب إن مندوبي الإدارة المحلية بمحافظة القاهرة أخطروا أصحاب المشروعات بخطة التطوير، بعد أن أرسلوا لجاناً فنية رفعت قائمة بأسماء المحلات وعدد السكان بالبيوت، وحصلت على صور من عقود الملكية وتراخيص المنشآت.
ساعة النهاية اقتربت
يدرك أصحاب المحلات أن ساعة النهاية قد اقتربت للمنطقة التجارية التي أمدت البلاد بتجارة الملابس المستعملة،
وتعد من أهم مراكز بيع قطع غيار السيارات المستعملة، والمعدات الهندسية القديمة والحديثة،
مشيرين إلى إزالة الحكومة كثيراً من المباني التي أقيمت على أراض تابعة للدولة،
وعدم موافقتها على اعتماد عمليات الصيانة والهدم والتنكيس للمباني المملوكة للمواطنين،
لإقامة مبان خاصة بهم، وتطوير المنطقة التجارية بأنفسهم
يتذكر تجار المنطقة دورهم في دعم أسواق “تحيا مصر” والمشروعات التي تستهدفها الحكومة،
لتوفير السلع والملابس الرخيصة للمواطنين، في محاولة للبقاء بمنطقة تجارية منذ فجر التاريخ،
حيث تحولت من ميناء للغلال والبضائع إلى وكالات تجارية لبيع كافة السلع،
التي يأتي إليها الصناع والمشترون من أنحاء البلاد، وفق جداول زمنية على مدار الأسبوع.
يعيش أصحاب المحلات الكبرى على أمل أن تهدأ الملاحقات اليومية، وأن تتوقف عند حظر عرض البضائع خارج المحلات،
والبسطات التي تسيطر على الأرصفة وما حول المكاتب الحكومية، ومسار عمارات “ماسبيرو”
التي أصبحت ملتقى الأثرياء، وتحتوي على عشرات المراكز التجارية الحديثة الفاخرة، غير المستعدة للمتاجرة بالبضائع الرخيصة والمستعملة.
ارتفاع إيجارات المحلات في مصر
سوق البالة في أكبر منطقة في مصر لتجارة الملابس يحتضر
يشير تاجر الملابس الجاهزة، محمد خليفة، إلى خطورة انعكاسات الإجراءات الأمنية والحكومية على استمرار العمل بأسواق وكالة البلح، التي يعمل بها عشرات الآلاف من العمال، وتؤوي أسراً لها جذور في المنطقة منذ مئات السنين، مبيناً أن بعض الباعة اتجهوا إلى فتح أسواق بديلة لهم خارج وسط القاهرة، خاصة بمدينة نصر ومصر الجديدة شرق العاصمة، ليستريحوا من الملاحقات الأمنية المستمرة.
يذكر خليفة أن ارتفاع إيجارات المحلات التجارية في تلك المناطق يحول دون استمرار البعض بأعمالهم،
فيستمرون في الوكالة، أملاً في تحسّن الأوضاع الأمنية أو التعايش مع هذه الضغوط. يؤكد خليفة أن هذه الملاحقات تسببت في زيادة كبيرة بأسعار الملابس والمنتجات المعروضة، حيث يضع الباعة في حسابهم تكلفة البضائع التي تصادر من الأمن،
وتراجع عمليات البيع، وارتفاع أسعار الإيجار بالمحلات، مع تضاعف أسعار الكهرباء والرسوم والإتاوات التي تدفع للحكومة.
يعلم خليفة رغبة الحكومة في تطوير سوق وكالة البلح، من دون معرفة بتفاصيل المشروعات التي تتداولها الصحف ومندوبو الإدارة المحلية، الذين يدفعون التجار إلى الدخول في الاقتصاد الرسمي،
وحصر الخاضعين للضرائب عبر الفواتير الإلكترونية، في تناقض مع واقع يحظر بالقانون بيع المنتجات المستعملة.
قال أحد الموظفين بحي بولاق المكلفين بمتابعة إجراءات الحصر للسكان والمحلات بالوكالة، لـ”العربي الجديد” إن الحكومة انتظرت طويلاً لتنفيذ خطة إخلاء أسواق الوكالة من العشوائيات والباعة الجائلين التي امتد أثرها إلى وسط العاصمة، حيث ترغب في تنفيذ خطة موسعة لإعادة تطوير القاهرة الخديوية، وتجميل الشوارع التجارية.