خطوة إلى الأمام للنفوذ المصري في الصومال

خطوة إلى الأمام للنفوذ المصري في الصومال
برزت مؤشرات عملية على اقتراب نشر قوات مصرية ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي الجديدة في الصومال،
ما استدعى اعتراضاً إثيوبياً علنياً وأعاد أجواء التوتر الإقليمي. وأفادت مصادر دبلوماسية مصرية
بأن القاهرة تتحرك بخطوات متسارعة لتثبيت حضورٍ أمني – سياسي في القرن الأفريقي،
واضعةً الصومال محوراً رئيسياً لاستراتيجيتها في البحر الأحمر والقرن الأفريقي،
في توقيتٍ تتصاعد فيه خصومتها مع أديس أبابا حول سدّ النهضة وملف النفاذ الإثيوبي إلى البحر عبر أرضٍ تعتبرها مقديشو جزءاً من سيادتها.
وفي السياق، عقد وزيرا الخارجية والري المصريان بدر عبد العاطي وهاني سويلم،
جلسة مباحثات في القاهرة، الأربعاء الماضي، مع وزيرَي الخارجية والموارد المائية السودانيَين عمر صديق وعصمت قرشي،
بشأن سد النهضة الإثيوبي، مجددين رفضهم الكامل للتحركات الأحادية الإثيوبية في ملف سد النهضة،
التي وصفها بيان مشترك للطرفين بأنها مخالفة للقانون الدولي وتشكل تهديداً لاستقرار حوض النيل الشرقي.
كما أكد السفير حسام عيسى، مساعد وزير الخارجية المصري ومدير إدارة السودان وجنوب السودان السابق،
أن دور مصر في منطقة القرن الأفريقي يعد بالغ الأهمية، مشيراً إلى أن القوات المسلحة المصرية تُعد أحد عوامل الاستقرار في المنطقة. وأوضح أن مشاركة القوات المصرية في الصومال تأتي في إطار عملية تابعة للأمم المتحدة وبطلب رسمي من الحكومة الصومالية نفسها، وهو أمر طبيعي يعكس الدور المصري المعروف في عمليات حفظ السلام بمناطق مختلفة من العالم، لا سيما في القرن الأفريقي الذي يمثل أهمية استراتيجية كبرى ليس لمصر فقط، بل لجميع دول المنطقة، مؤكداً أن الصومال دولة عربية وأفريقية شقيقة.
خطوة إلى الأمام للنفوذ المصري في الصومال
وبشأن انعكاسات الخطوة على العلاقات مع إثيوبيا، قال عيسى إنه من المفترض ألا تكون هناك تأثيرات مباشرة،
غير أن إثيوبيا معروفة بتوجسها الدائم وشكوكها تجاه كل ما هو مصري أو ما يصدر عن جيرانها.
كما أكد أن ذلك لا يجب أن يثني مصر عن القيام بدورها في حفظ السلام والعمل على استقرار المنطقة،
لافتاً إلى أن أديس أبابا، من وجهة نظره، تعدّ أحد عوامل عدم الاستقرار نتيجة سياساتها تجاه جيرانها،
سواء في ملف المياه مع مصر أو في علاقاتها المتوترة مع إريتريا، وكذلك محاولاتها التعامل مع سلطات إقليم “صوماليلاند” (أرض الصومال)
للحصول على منفذ بحري “غير شرعي” على البحر الأحمر، بعد أن أصبحت دولة حبيسة منذ انفصال إريتريا عنها.
من جهته، أكد الخبير في شؤون القرن الأفريقي، هاشم علي،
أن وصول القوات المصرية إلى مقديشو سيرفع دون شك من مستوى التوتر الإقليمي،
في ظل الظروف المعقدة التي يشهدها القرن الأفريقي حالياً. وأوضح أن هذه الخطوة جاءت استناداً إلى طلب رسمي من الحكومة الصومالية العام الماضي لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، والذي رحّب بمشاركة مصر ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم السلام والاستقرار في الصومال (أوصوم). وأشار علي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن وزير الخارجية المصري السابق سامح شكري كان قد أكد أن قرار المشاركة المصرية “جاء بناءً على طلب الحكومة الصومالية وترحيب مجلس السلم والأمن الأفريقي”، وذلك في سياق عملية استبدال بعثة “أتميس” الانتقالية بالبعثة الجديدة، عقب موافقة مجلس الأمن، وهي العملية التي بدأت في يناير/كانون الثاني 2025.
خطوة إلى الأمام للنفوذ المصري في الصومال
تبلور التقارب المصري الصومالي منذ توقيع بروتوكول تعاون عسكري خلال زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى القاهرة في 14 أغسطس/آب 2024، وهو اتفاق فتح الباب لمساندة مصر قدرات الجيش الصومالي وتسليحه.
ولاحقاً، عزّزت القاهرة هذا المسار عبر شحنات أسلحة متتالية إلى مقديشو، بما في ذلك مدفعية وعيارات مضادة للطائرات،
وثّقتها مصادر ميدانية وموانئ صومالية في سبتمبر/أيلول 2024، ضمن تنفيذ حزمة التعاون الأمني.
ورافقت الرسائل السياسية الجانب العسكري، إذ إنه في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2024،
عقدت قمة ثلاثية في أسمرة جمعت مصر والصومال وإريتريا،
وأعلنت إنشاء لجنة وزارية مشتركة للتنسيق الاستراتيجي، مع “الإشادة بعرض مصر المساهمة بقوات” في جهود حفظ السلام بالصومال.
واستبدل الاتحاد الأفريقي مطلع 2025 بعثة “أتميس” ببعثة “أوصوم” (بعثة الاتحاد الأفريقي للدعم والاستقرار في الصومال)، بعد تفويض أممي جديد، مع استمرار هدف دعم الجيش الصومالي في مواجهة حركة الشباب وتسليم المسؤوليات تدريجياً للسلطات الصومالية. وفي 23 ديسمبر/كانون الأول 2024، أعلن وزير الخارجية المصري رسمياً أن مصر ستشارك بقوات ضمن “أوصوم” بناءً على طلب مقديشو وقرار مجلس السلم والأمن الأفريقي. وخلال صيف 2025، استكملت وحدات مصرية دورات الإعداد، وأعلنت وزارة الدفاع الصومالية، في أواخر أغسطس الماضي، ترحيبها بانضمام القوات المصرية إلى “أوصوم” بعد إتمام التدريب، وهو ما تابعته أيضاً وسائل إثيوبية وصومالية محلية. وبالتوازي، واصل مجلس السلم والأمن الأفريقي مناقشة ترتيبات “أوصوم” وتمويلها وتشكيل دول المساهمة، وسط فجوة تمويلية أشارت إليها تقارير سياسات أفريقية متخصصة.
خطوة إلى الأمام للنفوذ المصري في الصومال
ولا ينحصر تمدد القاهرة في الصومال، فخلال زيارة رسمية إلى جيبوتي في 23 إبريل/نيسان 2025،
أعلن الجانبان تخصيص 150 ألف متر مربع في المنطقة الحرة الجيبوتية لصالح شركات مصرية بوصفها “منصة لوجستية”،
مع دفع مشاريع طاقة وموانئ، ضمن خطوات تكمّل مسعى مصرياً أوسع لتأمين سلاسل التجارة في مدخل البحر الأحمر الجنوبي المتصل بقناة السويس.
كما تجمع القاهرة ومقديشو وأسمرة قنوات تنسيقٍ أمنية وسياسية منذ قمة أسمرة،
تمنح مصر ركيزة إقليمية مقابلة لمحورٍ إثيوبي يسعى لبحر مفتوح ونفوذ بحري.
وإذا اكتمل انتشار وحدات مصرية ضمن “أوصوم”، فمن المرجح أن تُقدَّم المهمة مصرياً
بوصفها التزاماً جماعياً تحت مظلة الاتحاد الأفريقي وطلب الحكومة الصومالية،
وليس اصطفافاً ثنائياً ضد طرفٍ بعينه، بما يخفف احتمالات الاحتكاك المباشر مع إثيوبيا،
ولو أنه لا يُنهي حرب الرسائل. لكنّ نجاح البعثة ذاته مرتبط بتمويلٍ هشّ، وتفاهماتٍ دقيقة
حول الدول المساهمة، وحدود الأدوار مع الجيش الصومالي، وكلها ملفات لا تزال قيد التشكيل.
وعلى الضفة الأخرى، تُظهر أديس أبابا استعداداً للمضي في بحث “مخارج بحرية”
سواء عبر أرض الصومال أو تفاهماتٍ بديلة، ما يبقي التوتر القابل للاشتعال حاضراً،
حتى مع عودة العلاقات الدبلوماسية مع مقديشو في يناير 2025 تحت رعاية تركية.
وفي ظل تصادمٍ مزمن على مياه النيل، فإن أي تبدّل على خرائط النفوذ في القرن الأفريقي
سيُقرأ في القاهرة بوصفه ورقة ضغط إضافية أو تهديداً محتملاً لأمن البحر الأحمر.