مصر تلغي الخطبة الموحدة للحد من التأثير المتزايد للمساجد السلفية

مصر تلغي الخطبة الموحدة للحد من التأثير المتزايد للمساجد السلفية

بعد تسع سنوات كاملة من تعميم الخطبة الموحدة على المساجد المصرية،

قررت وزارة الأوقاف عودة الاجتهاد إلى دور العبادة وسمحت للأئمة والخطباء

بتنويع موضوعات الخطبة حسب شواغل كل إقليم أو محافظة،

وتطويق أنشطة المساجد السلفية التي استفادت من نمطية الخطبة الواحدة لاستقطاب المصلين.

وطبّقت مصر الخطبة الموحدة على جميع مساجدها عام 2016 خلال فترة وزير الأوقاف السابق مختار جمعة،

بدعوى أن البلاد تعاني من تطرف وإرهاب وتشدد ديني يستدعي ضبط أداء المساجد،

وعدم السماح لأي إمام أو خطيب أن يغرد خارج السرب، أو ينتقي قضايا تتفق مع قناعاته، بما يقي الجمهور من التطرف.

ورغم تعرض الحكومة لانتقادات على مدار سنوات للتراجع عن الخطبة الموحدة،

كانت وزارة الأوقاف تتمسك بالمضي قدما في تطبيقها، باعتبار أن التيار السلفي مازال يشكل خطورة

ويهيمن على الكثير من المساجد، دون إدراك أن السلفيين استغلوا الخطبة الموحدة

لاستقطاب الناس إليهم في زواياهم الصغيرة التي لا تلتزم بموضوع الخطبة الرسمية، وتقدم خطابا خاصا بهم.

السماح للأئمة والخطباء بالاجتهاد

وقرر وزير الأوقاف الجديد أسامة الأزهري أخيرا السماح للأئمة والخطباء بالاجتهاد وتخفيف الالتزام بالنصوص المكتوبة

للحد من استقطاب السلفيين للمصلين عبر مساجد صغيرة تنتشر في بعض المناطق،

ومنح كل إمام وخطيب فرصة انتقاء موضوع ملح يتحدث عنه يوم الجمعة، من دون التزام بالموضوعات المحددة سلفا.

وبدت وزارة الأوقاف أكثر مرونة في التعاطي مع مسألة الخطبة الموحدة،

وقالت يمكن تعميم خطبة واحدة على جميع المساجد في أول كل شهر، إذا كانت هناك قضية تحتاج إلى إجماع ديني حولها،

لتصل إلى عموم الناس بنفس المعنى والمضمون، ولكن باقي أيام الشهر ستكون خُطب الجمعة حسب كل إقليم.

وخرج موقف الأوقاف المصرية من رحم مطالبات برلمانية وشعبية واسعة بضرورة وضع حد لنمطية خطب المساجد،

إذ يصعب أن تكون هناك قضايا ملحة مطروحة على الساحة ثم تأتي الخطبة في سياق مغاير تماما

وليست لها أي علاقة بالواقع الذي يعيشه الناس، بما يصب في صالح السلفيين الذين يسيطرون على مساجد صغيرة.

مصر تلغي الخطبة الموحدة للحد من التأثير المتزايد للمساجد السلفية

وأمام التحفظات الكبيرة تحرك الوزير أسامة الأزهري لتطوير الخطبة بحيث يتم وضع هدف عام لها،

تتفرع منه عناصر، بمعنى أن تكون هناك خطبة محددة كنموذج استرشادي، فإما أن يأخذ به الإمام أو لا،

مع السماح له بالاجتهاد بطريقته ويكون اللجوء إلى الخطبة الموحدة في القضايا الملحة ذات البعد الوطني.

ومنذ تطبيق الخطبة الموحدة وهي تُتهم بأنها سبب رئيسي في جمود الخطاب الدعوي

وتأميم المنابر وعدم توافق ما يُقال خلالها مع الواقع المعيشي، لأن الكثير مما جرى طرحه افتقد إلى الحد الأدنى من التنوع،

وما يصلح لإقليم حضري لا يتناسب مع الريف، مع أن خطب المساجد يجب أن تتناول القضايا التي تهم كل منطقة.

الخطر من استمرار الخطبة الموحدة

وقال الباحث المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة منير أديب إن الخطر من استمرار الخطبة الموحدة

كان في المناطق الشعبية والريفية التي ينتشر فيها السلفيون، والمرونة في السماح بالاجتهاد

وانتقاء قضايا واقعية تعيد الاعتبار للمساجد، وتقطع الطريق على كل فصيل يحاول استغلال التضييق على الأئمة.

وأضاف  أن أي جمود فقهي يصب في صالح العناصر المتطرفة، فما يصلح لمحافظة

لا يتلاءم مع أخرى، ويجب البناء على وعي الأجيال الجديدة بأنها تبغض كل ما يرتبط بالتشدد، بحيث تجد مرادها في المساجد وعلى المنابر، بعيدا عن أي استغلال أو استقطاب أو خطاب يميل إلى دغدغة المشاعر.

وكان قد حظر على أي خطيب مسجد الخروج عن النص أو التحرر فكريا وانتقاء ملف محدد، ما أضعف مواقف الكثير من الأئمة المدربين والمعتدلين، لأنهم عاجزون عن تفنيد حجج المتشددين، ويتحركون وفق خطط تضعها وزارة الأوقاف ولا يحيدون عنها، وإلا تعرضوا للمساءلة وربما الإقصاء والتجميد الوظيفي.

التوجهات الجديدة لوزارة الأوقاف

وما أكسب التوجهات الجديدة لوزارة الأوقاف بشأن الخطبة نهجا واقعيا هو أنها قررت الاستعانة ببعض المراكز البحثية والاجتماعية المتخصصة لوضع ملامح خطبة الجمعة في الأقاليم، بما يتلاءم مع تطلعات مرتادي المساجد الذين سئموا من تكريس الجمود الفكري وقتل الاجتهاد والتنوع وتناقض الخطب مع القضايا الدينية الملحة.

وتمهد مرونة الخطاب الدعوي في المساجد لترميم العلاقة مع أبناء الجيل الجديد بالطريقة التي تجعلهم محصنين ضد الميل إلى تيارات متشددة اعتادت استغلالهم ومدهم بمعلومات دينية حول قضايا تمس همومهم الحياتية، لأن الشباب في هذه المرحلة بحاجة ملحة إلى من يشبع ميولهم الدينية.

والتزام الواعظ الديني بخطاب محدد التزاما حرفيا يشوه علاقته بالشباب وربما يقطعها؛ لأنه في نظرهم موظف،

وهو ما يُلغي دور المساجد في تحقيق الأهداف الدعوية ومواجهة أصوات متطرفة تجيد العزف على وتر التدين،

الأمر الذي عجّل بإعادة النظر في الخطبة الموحدة وعودة الاعتبار إلى الأئمة ليكون لهم دور وحضور مؤثر.

مصر تلغي الخطبة الموحدة للحد من التأثير المتزايد للمساجد السلفية

ويبدو أن التغير الجذري في نظرة الأوقاف لملف الخطبة هو محاولة من أجل تحسين النظرة السلبية لأداء الدعاة والأئمة والخطباء، لأن محاربة التطرف الفكري لا تكون بحصار مضمون الخطبة وحظر الخروج عنها باجتهاد شخصي، بل بترك الأئمة يقدمون نصوصا عصرية، فمن المهم أن تصل الرسالة بطريقة سهلة وبسيطة.

ويدعم كثيرون عدم منح الحرية المطلقة لإمام المسجد في طرح وجهة نظره على الجمهور، مع استمرار تدخل وزارة الأوقاف في رسم ملامح الخطبة بحيث يكون فيها قدر معقول من التنوع والتناغم مع متطلبات الناس الحياتية، وعدم اختيار قضايا حساسة تثير منغصات سياسية واجتماعية في توقيت حرج.

وما يسرّع وتيرة تجديد الخطاب الدعوي أن المجتمع بحاجة إلى فقه مستنير،

لكن تظل العبرة في اقتناع الحكومة بعدم التعويل على تلك الخطوة كبديل عن تجديد الخطاب الديني عموما،

وضرورة اختيار من يقومون بهذه المهمة بكفاءة، قبل أن يظل استفتاء المتشددين حول شواغل الناس ثقافة تجلب منغصات سياسية معقدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى