الديون المتفاقمة ستقود هذه الدولة إلى “الهلاك” المالي البطيء!
الديون المتفاقمة ستقود الدولة إلى “الهلاك” المالي البطيء!
من حيث الحصة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ارتفع الدين إلى 336 بالمئة،
وذلك مقابل متوسط نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عند 110 بالمئة في 2012 بالنسبة للاقتصادات المتقدمة و35 بالمئة بالنسبة للاقتصادات الناشئة.
ولسداد مدفوعات الدين، سيتعين على نحو 100 دولة خفض الإنفاق على البنية التحتية الاجتماعية الحيوية بما في ذلك الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
•الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وفرنسا
كانوا مسؤولين عن تغطية ما يزيد عن 80 بالمئة من الديون خلال النصف الأول من العام الماضي،
في حين شهدت الأسواق الناشئة والصين والهند والبرازيل الارتفاعات الأكبر في مستويات الدين.
ماهية أزمة الديون
من مصر يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي، ماهية أزمة الديون قائلاً:
“أزمة الديون تعني عدم تمكن الدولة من سداد ديونها ممثلة في أقساط الديون
مضافاً إليها فوائد الديون إلى المقرضين مقابل ما اقترضته من أموال، والتي قد ترجع إلى تنفيذ المشروعات والإنفاق على البرامج الوطنية،
وتدني الإيرادات الضريبية وفشلها في توفير الإيرادات المطلوبة، وبالتالي يصبح عبء الديون غير محتمل عندما تنمو المبالغ المقترضة بشكل يتجاوز قدرة الدولة على خدمة الدين ما يدفع المقرضين إلى رفع أسعار الفائدة على القروض
وبالتالي ترتفع تكلفة الاقتراض ويصبح معه التخلف عن السداد أمراً متوقعاً.
ويترتب على تنامي الديون آثاراً عديدة بحسب الشناوي منها:
تقويض استقرار الأنظمة المالية في كل من الدول المتضررة من الأزمة وغيرها.
التأثير على النمو الاقتصادي وخلق اضطرابات في الأسواق المالية العالمية.
تأثيرات على الأفراد في داخل الدولة عبر الحدود والتي تتمثل في ارتفاع المواد الغذائية والسلع والخدمات بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة على الرهن العقاري وقروض السيارات وفقدان الوظائف وزيادة البطالة بسبب تخفيض الشركات للإنفاق، وتراجع النشاط الاقتصادي، وتدني الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية.
مخاطر تنذر بإمكانية حدوث هلاك مالي
ويتوقع الخبير الاقتصادي الشناوي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” حدوث هبوط ناعم يصيب الاقتصاد العالمي ما يعني أنه سيواجه مخاطر كبرى قد تكون مقدمة لتنامي أزمة ديون، وما يؤكد ذلك توقعات أحدث تقارير البنك الدولي عن حدوث تباطؤ في النمو العالمي إلى 2.4 بالمئة في العام الحالي قبل أن يرتفع إلى 2.7 بالمئة عام 2025. وتتمثل هذه المخاطر فيما يلي:
تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني.
تصاعد التوترات الجيوسياسية التي تمثلت في الصراع في أهم مناطق إمدادات الغذاء والطاقة.
زيادة حالة عدم اليقين التي تضر بالاستثمار والنمو وما يترتب عليه من صدمات العرض وارتفاع التضخم.
زيادة الضغوط المالية الناشئة عن ضعف النمو وارتفاع أسعار الفائدة وزيادة الديون ما يجعل تكلفة خدمتها أكثر صعوبة ودفع مزيد من الديون.
وأخيراً ما اتخذته الدول من تدابير السياسات التجارية المقيدة للتجارة، ونخلص إلى أن هذه المخاطر تمثل إنذار بإمكانية حدوث أزمة ديون عالمية.
تحذير أممي
وتأكيداً على ما يثار بأن العالم مقبل فعلاً على أزمة ديون قال الدكتور الشناوي: “إن الأمم المتحدة أصدرت تحذيراً في يوليو 2023 من أن عبء الديون العالمية يهدد الدول في جميع أنحاء العالم، حيث وصل الدين العالمي حوالي 307 تريليون دولار، كما أن بعض الدول المدينة تنفق حكوماتها لمجرد دفع الفوائد على القروض أكثر ما تنفقه على الصحة والتعليم ما يهدد حياة 3.3 مليار نسمة، ومن الممكن أن يكون لأزمة الديون في أي دولة ما يمكن تسميته (تأثير الدومينو) الأمر الذي يتسبب في نتائج كارثية لدول أخرى، كما أن صندوق النقد الدولي يرى أن أكثر من 80 بالمئة من الديون المتراكمة في عام 2023 جاءت من العالم المتقدم، ويشير تقارير للبنك الدولي عام 2023 أن الدول منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل دفعت نحو 44.5 مليار دولار لخدمة الديون الخارجية”.
عقد الديون
بدوره، يقول أرثر لافر، الخبير الاقتصادي ورئيس شركة “لافر تنجلر إنفستمنتس” في تصريح لـ (CNBC): “إن العالم سيواجه أزمة ديون خلال الأعوام العشرة المقبلة ولن تنتهي على نحو جيد، وأن هذه السنوات ستكون (عقد الديون)”، محذراً من أن بعض الدول المتقدمة التي لن تستطيع معالجة ديونها سيهددها “الموت المالي البطيء” وأن بعض الاقتصادات الناشئة من الممكن أن تفلس”.
ضبط المالية العامة
من جهته، يقول الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons” علي حمودي في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “يعاني العالم الآن من ديون قياسية، وأسعار فائدة مرتفعة، وتكاليف تغير المناخ، والإنفاق على الصحة ومعاشات التقاعد مع تقدم السكان في السن، كل هذا يثير المخاوف من حدوث أزمة في الأسواق المالية في الاقتصادات المتقدمة الكبرى والاقتصادات النامية، وقد شهدنا ارتفاع تكاليف الاقتراض الحكومي ما أدى إلى تسليط الضوء على ارتفاع الديون.
الديون المتفاقمة ستقود هذه الدولة إلى “الهلاك” المالي البطيء!
ومن المرجح أن تؤدي مستويات الدين الحكومية المرتفعة في العديد من البلدان في نهاية المطاف إلى ضبط أوضاع المالية العامة، وهو ما قد يكون صعباً من الناحية السياسية في البلدان التي يكون فيها الإنفاق الحكومي مرتفعاً للغاية، وبالفعل فإن نحو 60 بالمئة من البلدان المنخفضة الدخل ونحو 25 بالمئة من الأسواق الناشئة تعاني من ضائقة الديون أو معرضة لخطر كبير، كما أن التطورات الأخيرة في البلدان المرتفعة الدخل وخاصة الولايات المتحدة تجعل الحياة أكثر صعوبة، طبقاً لما قاله حمودي.
رفع الفائدة وقوة الدولار يجعلان السداد باهظ التكلفة
وخلال معظم عام 2023، كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي يرفع أسعار الفائدة بقوة لمكافحة التضخم، وارتفع سعر الدولار في أسواق العملات العالمية، وبما أن 90 بالمئة من ديون الأسواق الناشئة مقومة بالدولار، فإن قوة العملة الأميركية تجعل السداد باهظ التكلفة وبالتالي ارتفعت تكاليف الاقتراض بالنسبة للبلدان المثقلة بالديون، بحسب حمودي الذي أوضح أن أكثر من ثلثي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أصبح لديها الآن عائدات سندات تتجاوز 10 بالمئة، ولم يعد بوسعها الاقتراض من القطاع الخاص. والآن، إذا لم تتمكن هذه البلدان من إعادة تمويل سنداتها، فإننا سنواجه أزمة”.
الديون المتفاقمة ستقود هذه الدولة إلى “الهلاك” المالي البطيء!
ويشير الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons” إلى أن الدولة عندما لا تتمكن من سداد ما تدين به للدائنين مقابل الأموال التي اقترضتها الحكومة، وعندما تفشل عائدات الضرائب من المواطنين والشركات في توفير الأموال التي يحتاجون إليها عندها يكون لدى الدولة أزمة ديون وبالتالي قد تعاني من “موت مالي بطيء”.
اليابان تسير باتجاه أزمة ديون
الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية في لندن، طارق الرفاعي يقول
“يعاني العالم اليوم من كثرة الديون، وكل عام تصل نسبة الديون السيادية في العالم إلى مستوى قياسي أعلى من العام الذي سبقه، وتاريخياً لن تنجح أي دول في العالم مع وجود نسبة ديون مرتفع،
وكلما كثرت الديون في أي اقتصاد كلما صار صعباً على الدولة تحقيق النمو الاقتصادي”.
ويضيف الرفاعي بأن “ومن ناحية الدين العالمي العالم فإن اليابان الدولة المتقدمة تعد مثالاً واضحاً،
حيث تسير باتجاه أزمة ديون كبيرة وكذلك أزمة مالية، فهي أكبر دولة مديونة في العالم،
وكذلك الصين لديها أزمة ديون بسبب الأزمة العقارية، وهي ليست ديوناً سيادية وإنما ديون للقطاع الخاص”.
كيف نواجه عبء الديون؟
أما عن الاستراتيجية الواجب على العالم والدول المدينة اتباعها لمواجهة عبء الديون
فتتمثل بما يلي بحسب الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي:
ضرورة السعي الى إعادة هيكلة الديون حتى تتمكن الدول المدينة من سداد المدفوعات والترتيب للحصول على التمويل الطارئ.
تنفيذ الإصلاحات التي تساعد على زيادة الإيرادات
دعم الأنشطة الاقتصادية الواسعة والصحية لتحقيق الرفاهية المالية للأفراد.
وترى منظمة الأونكتاد ضرورة اصلاح هيكل الديون العالمية وسط تزايد تلك الضائقة من خلال:
تعزيز القروض الميسرة والمنح بأسعار فائدة منخفضة وبشروط سداد أطول.
زيادة درجة الشفافية وشروط وأحكام التمويل.
الديون المتفاقمة ستقود هذه الدولة إلى “الهلاك” المالي البطيء!
توسيع نطاق حصول الدول النامية على العملات الأجنبية من خلال مقايضات البنوك المركزية
وتعزيز قدرتها على الصمود أثناء الأزمات الخارجية، من خلال تجميد التزامات المدينين
مثل شروط الديون المقاومة لتغير المناخ، والذي يسمح بوقف سداد الديون ما يوفر بعض الوقت لإدارة الأزمات.
حاجة بنية الدين العالمي لقواعد متطورة لإعادة الهيكلة التلقائية وشبكة أمان عالمية أفضل.
ضرورة البدء في إنشاء سلطة ديون عالمية لتنسيق وتوجيه عمليات إعادة الهيكلة للديون السيادية.
ويخلص الشناوي إلى أن “العالم إن لم يتنبه للحد من الصراعات الجيوسياسية وتخفيف الضغوط المالية على المدينين،
والحد من التدابير التجارية بحجة الحفاظ على الأمن القومي للدول،
وتخفيف حدة الصراع الصيني الغربي، وتنسيق السياسات الاقتصادية المحفزة على الحد من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي،
فلا شك من الوقوع في براثن أزمة ديون في العشرينيات من هذا القرن على غرار أزمات سابقة”.